يقدم العالم الراهن نفسه بمرونة، ولكن مسار قفزات التكنولوجيا تحمل معها انكماشات مريبة والتي غالبًا ما يتم تجاهلها. إذ تنطوي أزمة "تحول التنسيق التقني" على أربع معضلات أساسية: 1- فقدان التوافقيّة، 2- تسارع التقادم، 3- هشاشة التخزين، 4- مشاكل التجزئة.
وهنا أطرح مثالاً سريعاً عن فكرة "تحول التنسيق التقني": إن الانتقال من وسائط الأقراص المرنة (Floppy Disks) إلى ذاكرة الفلاش (Flash Memory)، كانت بمثابة حملة تصفيّة مفتوحة تعرض لها جزءً هائلاً من الذاكرة البشريّة.
حدث كل ذلك تحت وطئة الحاجة الملحة إلى استبدال البنية التحتية الكاملة للتقنيّة. تحدث تصفيّة الذاكرة الرقميّة نتيجة فائض تقني يندفع بشكل مهول ومتسارع لتحقيق قفزة تقنيّة. هذه القفزة؛ هي التي تَخلق نسقاً جديداً في التقنيّة. لذلك يصعب فهم أزمة تحول التنسيق التقني دون الوقوف مطولاً عند "أنساق التقنيّة"، لذلك أطرح عبر الجدول أدناه نموذجاً تقريبياً للفكرة:
لقد حددت الأنساق، أولاً وفق تغيرات ملحوظة على مستوى صناعة التقنية، وثانياً على ضوء أثر التغيرات الابستمولوجية والانطولوجية على "الذات" نتيجة تبدل شكل التقنية عبر التاريخ واخترت خاصيات كل نسق وفق توفر عناصر محددة سأشرحها في مقالٍ لاحق.
إذن، يُبنى العالم الراهن أسرع بآلاف الأضعاف من عالم القرن العشرين أو القرن التاسع عشر. إن العالم التقني ليس عالماً واحداً بل هو مجموعة عوالم، يمكن تخيّل ذلك وفق نظرية أنساق التقنيّة. لنقل على سبيل المثال: النسق التقني للقرن 20، النسق التقني لعصر النهضة، النسق التقني للدولة العباسية الإسلامية، وهكذا.
تدل الهشاشة الفظيعة المصابة بها بنيّة المشهد التقني الراهن على خللٍ عميق يطال ما نريد أن نكون عليه في المستقبل. يطال بالتحديد آليات انتقال التقنيات من نسق وتموضعها في نسقٍ آخر. إن الهشاشة هنا تصيب حلم المستقبل الذي يبدو من الواضح أنه يفقد جوهره ومكانته ومتانته البنيوي خلال عمليات الانتقال أو الارتحال.